spot_img
المزيد

    ريشة تقود المستقبل: سناء الحميدية تحوّل الفن العُماني إلى لغة عالمية ورؤية إنسانية

    spot_img

    هنّ _ خاص

    تُعد الفنانة التشكيلية العُمانية سناء بنت سعيد الحميدية أيقونة فنية لا تكتفي بإنتاج الجمال؛ بل هي قائدة بصرية ومُفكرة استراتيجية تعمل على ترسيخ مكانة الفن العُماني في الخطاب العالمي. تتمحور رؤيتها الفنية حول دمج جمال الحرف العربي والتناغم اللوني مع إيقاع الموسيقى والألوان، بهدف إبراز هوية الفن العربي وتراث عُمان الأصيل. في مسيرتها، توجت سناء الحميدية بلقب “أفضل فنانة تشكيلية عربية شابة في العالم” لعام 2022، وحصدت وسام المرأة العُمانية المجيدة لعام 2024، وتم اختيارها من ضمن مجموعة من نساء العالم المبدعات “نساء المستقبل” لعام 2025 تقديراً لإجادتها في المجالين المهني والاجتماعي. إنها امرأة تحوّل الفن من أداة تعبير إلى قوة تغيير تقود المجتمعات نحو الأجمل والأفضل، مُجسدةً أهداف رؤية عُمان 2040 في مجال الاقتصاد الإبداعي.

    بهذا العمق الفني والقيادي، أجرينا معها هذا الحوار المُوسع لنتعمق في بداياتها، أسلوبها المعقد، ورؤيتها للمستقبل الرقمي للفن.

    بداية، نبارك لكِ التتويج ضمن مبادرة نساء المستقبل بإشراف جناب السيدة بسمة آل سعيد. ماذا يمثل لكِ هذا التكريم بعد مسيرة طويلة في الفن التشكيلي والعمل المجتمعي؟

     شكرًا لكم، هذا التكريم يعني لي الكثير، فهو تتويج لسنوات من العمل والشغف والإصرار. أن يتم اختياري ضمن نساء المستقبل تحت رعاية جناب السيدة بسمة آل سعيد و بتنظيم من جمعية الصداقة العُمانية البحرينية، هو شرف كبير ومسؤولية في الوقت نفسه. أعتبره تقديرًا ليس فقط لمسيرتي الفنية، بل لكل امرأة عُمانية تسعى لتكون صوتًا فاعلًا في مجتمعها. هذا الإنجاز يمنحني دافعًا أكبر للاستمرار في العطاء الفني والقيادي، ولتمثيل المرأة العُمانية بصورة مشرّفة في المحافل الدولية، والإسهام في تحقيق رؤية عُمان 2040 من خلال الفن والابتكار.

    سناء، لو عدنا إلى نقطة البداية، كيف بدأ شغفك بالرسم والألوان، وما هي أول لوحة شعرتِ أنها عبّرت حقاً عن “سناء الفنانة”؟

    علاقتي بالفن بدأت مبكراً جداً، منذ الطفولة. الرسم كان بالنسبة لي المرآة الصادقة والملجأ الآمن؛ هو وسيلتي الوحيدة التي أعبر بها عن أفكاري وشغفي، ومُتنفسي الخاص بعيداً عن صخب الحياة. البدايات كانت بسيطة، أشكال هندسية وزخارف إسلامية، لكنها كانت المحطة الأبرز للانطلاقة في عالم الفن التشكيلي، بدعم وتشجيع لا محدود من الأهل والمعلمات. أما عن اللوحة التي عبرت عني حقاً، فهي ليست عملاً واحداً، بل هي لحظة إدراك فلسفي للقوة الكامنة في دمج الحرف العربي مع التجريد. حين شعرت أنني أستطيع أن أجعل الحرف يتراقص ويتحرر من قيوده الكلاسيكية ليصبح كتلة لونية ذات إيقاع موسيقي، أدركت أن هذه هي بصمتي الفنية الأصيلة.

    أرى أن مسيرتي تشبه لوحة تجريدية مكونة من طبقات متداخلة ومحطات مؤثرة شكلت ملامح تجربتي الفنية.

    أولى هذه المحطات كانت مرحلة الصقل المؤسسي؛ فبعد أن لم تتح لي فرصة الدراسة الأكاديمية المتخصصة في الفنون، كان انضمامي إلى جمعية الفنون التشكيلية العُمانية ومرسم الشباب بمثابة البديل الأكاديمي الحقيقي الذي صقل موهبتي ووجه مساري الفني. تلك المؤسسات احتضنت شغفي وقدّمت لي بيئة محفزة للنمو والتطور.

    المحطة الثانية تمثلت في الاعتراف التنافسي، حين فزتُ بالجائزة البرونزية عام 2004 ثم الفضية عام 2007 في معارض الجمعية. لم تكن الجوائز مجرد تكريم، بل كانت بمثابة شهادة ثقة دفعتني نحو المنافسة الجدية في المعارض المحلية والدولية.

    أما المنعطف الأهم في مسيرتي فكان حصولي على جائزة أفضل فنانة تشكيلية عربية شابة في العالم لعام 2022 في لندن عن فئة الفن الواقعي. هذا الإنجاز نقلني من حدود الشغف الفردي إلى أفق المسؤولية الوطنية، لأمثل الفن العُماني بعمق وأصالة على الساحة العالمية. تلاه وسام المرأة العُمانية المجيدة 2024 الذي أكد التحام الإبداع الفني بالعمل المجتمعي، وأخيرًا جاء اختياري ضمن كوكبة “نساء المستقبل” 2025 ليجسد التكامل بين الفن، القيادة، ورسالة المرأة العُمانية الملهمة.

    لو طُلب منكِ تعريف أسلوبكِ الفني في جملة واحدة، كيف تصفينه؟ وما الذي يُميز بصمتكِ عن بقية الفنانين؟

    أصف أسلوبي بأنه: “إيقاع بصري تجريدي يمزج بين روح العمارة العُمانية وجمالية الحرف العربي كعنصر مُنقذ للهوية.”

    ما يُميز بصمتي هي فلسفة الدمج والتناغم. أنا لا أعمل باللون فحسب، بل أعمل بـ “الموسيقى اللونية”؛ فكل درجة تُختار بناءً على حالة شعورية عميقة وفكرة كامنة. هذا الدمج بين جمال الحرف العربي وتناغم الألوان ولد لدي فكرة البصمة الفنية الفريدة، حيث يصبح الحرف ليس فقط للقراءة، بل للتشكيل.

    كيف تختارين الألوان التي تعبر عن الفكرة أو الحالة الشعورية في اللوحة؟

    اختيار الألوان عملية حسية عميقة وليست عشوائية. أعتبر الألوان كـ “مقامات موسيقية”؛ فدرجات الأزرق والأخضر مُستلهمة من البيئة الساحلية والطبيعة الجبلية العُمانية، بينما الألوان الترابية والحارة مستوحاة من العمارة التقليدية وزخارفها. الهدف هو تحقيق التناغم اللوني الذي يُثير إحساساً مُعيناً بالانتماء أو الحنين أو القوة، مما يجعل اللوحة انعكاساً بصرياً للحالة الروحية للفنانة والمتلقي على حد سواء.

     كيف توازنين بين الأصالة العُمانية والطابع المعاصر في لوحاتكِ، وما المواد والتقنيات التي تفضلينها؟

    التوازن هو مفتاح الاستدامة الثقافية. الأصالة بالنسبة لي هي “المادة الخام الأثيرة”؛ أنا أستلهم من نقوش قلعة بهلاء، ومن الأبواب والشبابيك العُمانية التي تحمل قصصاً، وأُعيد دمجها في إطار هندسي تجريدي جريء يُحاكي الحداثة. هذا التزاوج يضمن أننا لا نُقلد الماضي، بل نُحوّل التراث إلى وقود للمستقبل.

    أفضل استخدام الألوان الزيتية والأكريليك لقوتهما في بناء طبقات عميقة، وأميل للتجريب بـ فن الكولاج لدمج الخامات البيئية وإعادة تدويرها، مما يُضفي على العمل بعداً بيئياً وفنياً راقياً.

    مع توجهكِ نحو التقنيات الرقمية، كيف ترين دور الـ (AI) والـ (NFT) في خدمة هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وتحويل إبداعكِ إلى أصل عالمي؟

    هذا هو صيحة العصر وجوهر رسالتي الأكاديمية. أنا أرى أن التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI) والـ NFT ليست مجرد أدوات، بل هي قنوات استراتيجية لتأصيل الهوية.

    •           تأصيل الهوية الرقمية: يمكننا تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على قاموس عُمان البصري (الزخارف، الخطوط، العمارة)، لإنتاج فن رقمي يحمل بصمة ثقافية عميقة، بدلاً من التقليد.

    •           التمكين الاقتصادي العالمي: تُمثل تقنية NFT (الرموز غير القابلة للاستبدال) جواز السفر الآمن للعمل الفني العُماني. إنها تضمن الملكية الفكرية، وتُحوّل اللوحة إلى أصل اقتصادي مُوثق يُمكن تداوله في الأسواق العالمية، مما يُسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف “الاقتصاد الإبداعي” لرؤية عُمان 2040.

    تُوصفين بأنكِ من القياديات النسائية في الفن. ماذا يعني لكِ هذا الدور، وكيف تحوّلتِ من مُبدعة إلى مُلهمة وقائدة تُحدث التغيير؟

    المرأة القيادية في الفن هي مصدر إلهام ومُحرك للتغيير الثقافي. لدينا كنساء قدرة فريدة على دمج العمق الوجداني مع الحِس الإداري والتنظيمي. قيادتي لا تقتصر على إدارة المعارض، بل تمتد إلى بناء فكر فني متجدد وتوظيف الفنون في تمكين المجتمع.

    لقد تحولت إلى قائدة من خلال:

     1) تأسيس المبادرات، مثل مجموعة “فن عُمان” لاستثمار وتسويق المواهب.

    2) التدريب، بتقديم ورش عمل متخصصة، مثل “التخلص من الضغوطات عبر الألوان” و”الاستدامة في الفنون الجميلة”.

    3) الرؤية، بوضع خطط لتحويل الأسواق التقليدية إلى وجهات فنية سياحية، مما يربط الفن بالاستثمار الوطني.

    وسام المرأة العُمانية المجيدة لعام 2024 هو اعتراف رسمي بمسيرتكِ القيادية. ماذا يمثل هذا التكريم، وهل الجوائز هي المحفز الحقيقي للفنان؟

    هذا الوسام هو نقطة انعطاف عليا بين الإبداع والإدارة، وهو اعتراف رسمي بالإجادة في المجالين الاجتماعي والمهني. شخصياً، هو فخر واعتزاز يُعزز التزامي بالعمل الدؤوب والابتكار.

    أما عن الجوائز، فهي وقود التحفيز والإشهار العالمي، وتُحوّل الإنجاز الفردي إلى مسؤولية وطنية. لكن المحرك الحقيقي والأصيل هو الشغف الداخلي؛ الشغف هو الذي دفعني للاستمرار بعدم قبولي في كليات الفنون، وهو الذي جعلني أطور موهبتي ذاتياً. الجوائز هي مجرد تأكيد خارجي لـ الالتزام الداخلي.

    ما النصيحة التي توجهينها للجيل الجديد من الفنانات العُمانيات اللواتي يحلمن بخوض هذا المجال؟

    نصيحتي هي: لا تنتظرن الشغف فقط، بل كُنّ قائدات للمسار. الفن اليوم ليس مجرد هواية، بل هو مشروع حياة ورسالة وطن.

    1.         التعليم الاستراتيجي: الالتزام بالتطوير الذاتي والحصول على المؤهلات (كـ درجة الماجستير التي أسعى إليها) لدمج الفن بالاستراتيجية.

    2.         بناء الشبكات: العمل على بناء شبكات عالمية والمشاركة في المعارض الدولية (النمسا، لندن، الجزائر) لنقل الفن العُماني للعالم.

    3.         القيادة المُلهِمة: وظّفن الفن في تمكين المجتمع ودعم المواهب الصاعدة. أبدعن، وقدن، واتركن بصمة عالمية تُجسد الأحلام والطموحات.

    ريادة لا تتوقف

    في ختام هذا الحوار العميق، تتضح رؤية الفنانة التشكيلية سناء الحميدية إنها لا ترسم فحسب، بل تُشرعن للمستقبل الفني؛ تُؤهل الجيل القادم، وتُؤصّل الهوية، وتُحوّل الإبداع إلى أصول اقتصادية. إنها أيقونة تُجسد بامتياز كيف يمكن للمرأة العُمانية أن تكون مهندسة للأصالة وريادية للمستقبل الرقمي، مُرسِّخة مكانة السلطنة كـ مركز حضاري يوازن ببراعة بين أصالة ماضيه وابتكار مستقبله.

    الانستغرام: sanaart

    انشر على السوشيال
    تاجز
    spot_img

    الأكثر قراءة

    العارضة “ثريا محمود”: جمال وموهبة يلفتان الأنظار

    تعد ثريا محمود من الشابات الجميلات اللواتي يقدمن محتوى مميزاً على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعمل كموديل مع خبيرات التجميل ومصممات الأزياء العمانيات.

    الفرق بين اللوس باودر والكومباكت باودر مع خبيرة التجميل ابتسام الفليتية

    تُعتبر اللوس باودر والكومباكت باودر من أهم أدوات التجميل التي تساعد على إطالة ثبات المكياج وتحسين مظهر البشرة. سنتعرف في هذا الموضوع على الفرق...

    “دي جي” حبيبة راشد.. مبدعة تشعل أجواء الحفلات  

    هنّ _ خاص حبيبة راشد امرأة عمانية متعددة المواهب والتخصصات، تعمل كمنسقة أغاني في الحفلات وبلوجر وفاشينيستا وهي أيضا ممرضة. إنها فنانة موهوبة متعددة المهارات،...
    spot_img

    المزيد

    ترك الرد

    من فضلك ادخل تعليقك
    من فضلك ادخل اسمك هنا